الأول المهموسة ،وهي عشرة ، يجمعها قولك ( سكت فحثه شخص ) ومعنى الحرف المهموس أنه حرف جرى معه النفس عند النطق به ، لضعفه وضعف الاعتماد عليه عند خروجه ، فهو أضعف من المجهور ، وبعض الحروف المهموسة أضعف من بعض ، فالصاد [ والخاء أقوى من غيرهما ، لأن في ] الصاد إطباقاً وصفيراً واستعلاء ، وهن من صفات بالقوة ، والخاء فيه استعلاء ، وإنما لقبت هذه الحروف بالمهموسة لأن الهمس الحس الخفي الضعيف ، فلما كانت ضعيفة لقبت بذلك ، قال الله تعالى : فلا تسمع إلا همساً قيل هو حس الإقدام . ومنه قول أبي زبيد في صفة الأسد :
فباتوا يدلجون وبات يسري بصير بالدجى هاد هموس
الثاني المجهورة ، وهي أقوى من المهموسة ، وبعضها أقوى من بعض ، على قدر ما فيها من الصفات القوية ، وهي ما عدا المهموسة . ومعنى الحرف المجهور أنه حرف قوي ، منع النفس أن يجري معه عند النطق به لقوته وقوة الاعتماد عليه في موضع خروجه ، وإنما لقبت بالجهر لأن الجهر الصوت الشديد القوي ، فلما كانت في خروجها كذلك لقبت به ، لأن الصوت يجهر بها .
الثالث الحروف الشديدة ، وهي ثمانية أحرف يجمعها قولك ( أجدت كقطب ) ، ومعنى الحرف الشديد أنه حرف اشتد لزومه لموضعه ، وقوي فيه حتى منع الصوت أن يجري معه عند اللفظ به . والشدة من علامات قوة الحرف ، فإن كان مع الشدة جهر وإطباق واستعلاء فذلك غاية القوة ، فإذا اجتمع اثنان من هذه الصفات أو أكثر فهي غاية القوة ، كالطاء الذي اجتمع فيه الجهر والشدة والإطباق والاستعلاء . فالجهر والشدة والإطباق والصفير والاستعلاء من علامات القوة ، والهمس والرخاوة والخفاء من علامات الضعف . وإنما لقبت بالشدة لاشتداد الحرف في مخرجه حتى لا يخرج معه صوت ألا ترى أنك تقول في الحرف الشديد : أج أت ، فلا يجري النفس مع الجيم والتاء ، وكذا أخواتها .
الرابع الحروف الرخوة ، وهي ما عدا الشديدة ، وما عدا قولك : ( لم يروعنا ) ، وهي ثلاثة عشر حرفاً ، ومعنى الرخو أنه حرف ضعف الاعتماد عليه عند النطق به فجرى معه الصوت ، فهو أضعف من الشديد ، ألا ترى أنك تقول : أس أش فجرى النفس والصوت معهما ، وكذلك أخواتها . وإنما لقبت بالرخوة لأن الرخاوة اللين ، واللين ضد الشدة . فإذا كان أحد الصفات الضعيفة في حرف كان فيه ضعف ، وإذا اجتمعت فيه كان ذلك أضعف له ، نحو الهاء التي هي مهموسة رخوة خفية ، وكل واحد من هذه الصفات من صفات الضعف .
الخامس الحروف الزائدة ، وهي عشرة أحرف يجمعها قولك ( اليوم تنساه ) ومعنى تسميتها بذلك لأنه لا يقع في كلام العرب حرف زائد في اسم ولا فعل إلا أحد هذه العشرة يأتي زائدا على وزن الفعل ، [ ليس بفاء ولا عين ولا لام ، وقد يجتمع في الفعل ] زائدتان منها وثلاث زوائد ، نحو انكسر واستبشر ، الهمزة والنون ، والهمزة والسين والتاء زوائد ، وقد يجتمع منها أربعة في المصادر ، نحو استبشار ، الهمزة والسين والتاء والألف زوائد . وقد تقع هذه الحروف أصولا غير زوائد ألا الألف ، فإنها لا تكون أصلا إلا منقلبة عن حرف آخر .
السادس الحروف المذبذبة ، وهي الزوائد المذكورة إلا الألف ، سميت أيضا بذلك لأنها لا تستقر أبداً على حال ، تقع مرة زوائد ومرة أصولا .
السابع : الحروف الأصلية ، وهي ما عدا الزوائد المذكورة ، سميت بذلك لأنها لا تقع أبداً في الكلام إلا أصولاً ، إما فاء الفعل أو عينه أو لامه .
الثامن : حروف الإطباق ، وهي أربعة أحرف ، الطاء والظاء والصاد والضاد ، سميت بذلك لأن طائفة من اللسان تنطبق مع الريح إلى الحنك عند النطق بها ، مع استعلائها في الفم ، وبعضها أقوى من بعض ، فالطاء أقواها في الإطباق وأمكنها ، لجهرها وشدتها . والظاء أضعفها في الإطباق ، لرخاوتها وانحرافها إلى طرف اللسان مع أصول الثنايا العليا . والصاد والضاد متوسطتان في الإطباق. التاسع: الحروف المنفتحة، وهي ما عدا حروف الإطباق، وسميت بالمنفتحة لأن اللسان لا ينطبق مع الريح إلى الحنك عند النطق بها، ولا ينحصر الريح بين اللسان والحنك، بل ينفتح ما بينهما ويخرج الريح عند النطق بها.
العاشر: حروف الاستعلاء، وهي سبعة، منها حروف الإطباق، والغين والخاء والقاف، وسميت بذلك لأن الصوت يعلو عند النطق بها إلى الحنك، فينطبق الصوت مستعلياً بالريح مع طائفة من اللسان مع الحنك، هذا مع حروف الإطباق، ولا ينطبق الصوت مع الغين والخاء والقاف، وإنما يستعلي الصوت غير منطبق.
الحادي عشر: الحروف المستفلة، وهي ما عدا المستعلية، سميت مستفلة لأن اللسان يستفل بها إلى قاع الفم عند النطق بها على هيئة مخارجها.
الثاني عشر: حروف الصفير، وهي ثلاثة: الزاي والسين والصاد سميت بذلك لأن الصوت يخرج معها عند النطق بها يشبه الصفير، فالصفير نم علامات القوة، والصاد أقواها للإطباق والاستعلاء اللذين فيها، والزاي تليها لجهر فيها، والسين أضعفها لهمس فيها.
الثالث عشر: حروف القلقة، ويقال اللقلقة، وهي خمسة أحرف، يجمعها قولك ( قطب جد ). سميت بذلك لظهور صوت يشبه النبرة عند الوقوف عليهن، وزيادة إتمام النطق بهن، فذلك الصوت في الوقف عليهن أبين منه في الوصل بهن. وقيل أصل هذه الصفة القاف، لأنه حرف لا يقدر أن يؤتى به ساكناً لشدة استعلائه. وأشبهه في ذلك أخواته. قال الخليل : القلقلة شدة الصياح، وقال اللقلقة شدة الصوت.
الرابع عشر: حروف الإبدال، وهي اثنا عشر حرفاً، يجمعها قولك ( طال يوم أنجدته ). سميت بذلك لأنها تبدل من غيرها، تقول هذا أمر لازب ولازم، فتبدل أحدهما من الآخر، فالميم بدل من الباء، ولا تقول الباء بدل من الميم، لأن الباء ليست من حروف الإبدال، إنما يبدل غيرها منها، ولا تبدل من غيرها. وليس البدل في هذا جارياً في كل شيء، إنما هو موقوف على السماع من العرب بنقل، ولا يقاس عليه، فلم يأت في السماع من العرب حرف يكون بدلاً من غيره إلا من أحد هذه الاثني عشر حرفا، فاعلم.
الخامس عشر: حروف المد واللين، وهي ثلاثة أحرف: الألف، والواو الساكنة التي قبلها ضمة، والياء الساكنة التي قبلها كسرة. سميت بذلك لأن الصوت يمتد بها ويلين، وذلك في مخرجها حين يسمع السامع مدها. والألف هي الأصل في ذلك، والواو والياء مشبهتان الألف، لأنهما ساكنتان كالألف، ولأن حركة ما قبلهما منهما كالألف، يتولدان من إشباع الحركة قبلهما كالألف، فاعلم.
السادس عشر: حرفا اللين، وهما الياء الساكنة التي قبلها فتحة، والواو الساكنة التي قبلها فتحة، سميتا بذلك لأنهما تخرجان في لين وقلة كلفة على اللسان، لكنهما نقصتا عن متشابهة الألف، لتغير حركة ما قبلهما عن جنسيهما، فنقصتا المد الذي في الألف، وبقي اللين فيهما لسكونهما، فشبهتا بذلك.
السابع عشر: الحروف الهوائية، وهي حروف المد واللين. وإنما سميت بالهوائية لأن كل واحد منهن يهوى عند اللفظ به في الفم، فعمدة خروجها من هواء الفم. وأصل ذلك الألف، والواو والياء ضارعتا الألف في ذلك، والألف أمكن في هواء الفم من الواو والياء، ولا يعتمد اللسان عند النطق بها إلى موضع من الفم.
الثامن عشر: الحروف الخفية، وهي أربعة: الهاء، وحروف المد واللين. سميت بالخفية، لأنها تخفى في اللفظ إذا اندرجت بعد حرف قبلها، والخفاء الهاء قووها بالصلة والزوائد. والألف أخفى في هذه الحروف، لأنها لا علاج لها على اللسان عند النطق بها، ولا لها مخرج تنسب إليه على الحقيقة، ولا يتحرك أبداً، ولا تتغير حركة ما قبلها، ولا يعتمد اللسان عند النطق بها على عضو من أعضاء الفم، إنما يخرج من هواء الفم حتى ينقطع النفس والصوت في آخر الحلق، وقال بعض العلماء في الهمزة خفاء يسير، وكذلك النون الساكنة فيها خفاء.
التاسع عشر: حروف العلة، وهي ثلاثة: حروف المد واللين، وزاد الهمزة جماعة. وإنما سميت بذلك لأن التغيير والعلة والانقلاب لا يكون في جميع كلام العرب إلا في أحدها، تعتل الياء والواو فتنقلبان ألفاً مرة وهمزة مرة، نحو (قال وسقى). وتنقلب الهمزة ياء مرة وواواً مرة وألفاً مرة، نحو (راس ويومن وبير). وأدخل قوم الهاء في هذه الحروف لأنها تقلب همزة في نحو ماء وأيهات، فاعلم.
العشرون: حروف التفخيم: وهي حروف الإطباق، وقد يفخم مثلها لبعض الحروف في كثير من الكلام اللام والراء، نحو 0الطلاق) و (الصلاة) في قراءة ورش، و (ربكم) و (رحيم). وتفخيم اسم الله تعالى لازم إذا كان ما قبله فتحة أو ضمة، نحو (وكان الله) و (يعلم الله). والطاء أمكن في التفخيم من أخواتها. وزاد مكي الألف، وهو وهم.
الحادي والعشرون: حروف الإمالة، وهي ثلاثة: الألف والراء وهاء التأنيث. سميت بذلك، لأن الإمالة في كلام العرب لا تكون إلا فيها، لكن الألف وهاء التأنيث لا يتمكن من إمالتهما إلا بإمالة الحرف الذي قبلهما. والهاء لا تمال إلا في الوقف، والراء والألف في الوقف والوصل، وتقدم معنى الإمالة. فالألف وهاء التأنيث يمالان ويمال ما قبلهما من أجلهما، والراء يمال ما قبلها من أجلها وتمال من أجل غيرها.
الثاني والعشرون: الحروف المشربة، ويقال المخالطة، بكسر اللام وفتحها وهي الحروف التي اتسعت فيها العرب فزادتها على التسعة والعشرين المستعملة، وهي ستة أحرف: النون المخفاة، والألف الممالة، والألف المفخمة، وهي التي يخالط لفظها تفخيم يقربها من لفظ الواو، [ نحو (الصلاة) في قراءة ورش ]، وصاد بين بين، وهمزة بين بين. هذه الخمسة مستعملة في القرآن. والسادس حرف لم يستعمل في القراءة، وهو بين الجيم والشين، لغة لبعض العرب، قال ابن دريد: يقولون في غلامك: غلامش. فهي مشربة بغيرها، وهي مخالطة في اللفظ لغيرها.
الثالث والعشرون: الحرف المكرر، وهو الراء، سمي بذلك لأنه يتكرر على اللسان عند النطق به، كأن طرف اللسان يرتعد به، وأظهر ما يكون إذا اشتدت، ولا بد في القراءة من إخفاء تكريرها، وقد جرى فيه [الصوت] لتكرره وانحرافه إلى اللام، فصار كالرخوة.
الرابع العشرون: حرفا الغنة، وهما النون والميم الساكنان، سميتا بذلك لأن فيهما غنة تخرج من الخياشيم عند النطق بهما، فهي زيادة فيهما، ومثلهما التنوين.
الخامس والعشرون: حرفا الانحراف، وهما الراء واللام، سميتا بذلك لأنهما انحرفا عن مخرجهما حتى اتصلا بمخرج غيرهما، وعن صفتهما إلى صفة غيرهما. أما اللام فهو حرف من الحروف الرخوة، لكنه انحرف به اللسان مع الصوت إلى الشدة، ولم يعترض في منع خروج الصوت اعتراض الشديد، ولا خرج معه الصوت كله كخروجه مع الرخو، فهو بين صفتين. وأما الراء فهو حرف انحرف عن مخرج النون، الذي هو أقرب المخارج إليه، إلى مخرج اللام، وهو أبعد من مخرج النون من مخرجه، فسمي منحرفاً لذلك.
السادس والعشرون: الحرف الجرسي، وهو الهمزة، سميت بذلك لاستثقالهما في الكلام ولذلك جاز فيها التحقيق والتخفيف والبدل والحذف وبين بين وإلقاء الحركة. والجرس في اللغة الصوت، قال الخليل : الجرس الصوت، ويقال: جرست الكلام تكلمت به. أي [صوت، فكأنه الحرف الصوتي، أي المصوت به عند النطق به، وكل الحروف] يصوت بها لكن الهمزة لها مزية زائدة في ذلك، فلذلك استثقل الجمع بين همزتين في كلمة وكلمتين.
السابع والعشرون: الحرف المستطيل، وهو الضاد المعجمة، سميت بذلك لأنها استطالت عن الفم عند النطق بها حتى اتصلت [بمخرج اللام، وذلك لما فيها من القوة بالجهر والإطباق والاستعلاء، قويت واستطاعت في الخروج من مخرجها.
الثامن والعشرون: الحرف المتفشي، وهو الشين. سميت بذلك لأنها تفشت في مخرجها عند النطق بها حتى اتصلت] بمخرج الظاء وقيل إن في الياء تفشياً. فقلت: الواو كذلك. وقال قوم حروف التفشي ثمانية: الميم والشين والفاء والراء والثاء والصاد والسين والضاد، تفشي الميم بالغنة، والشين والثاء بالانتشار، والفاء بالتأفف، والراء بالتكرير، والصاد والسين بالصفير، والضاد بالاستطالة. قلت: ومن جعل الميم حرف تفش بالغنة يلزمه النون، لأنه حرف أغن. ومن لقب الصاد والسين بالتفشي لصفيرهما يلزمه الزاي لأن فيه ما فيها من الصفير. ومعنى التفشي هو كثرة خروج بين اللسان والحنك وانبساطه في الخروج عند النطق بها حتى يتصل الحرف بمخرج غيره.
التاسع والعشرون، والثلاثون: الحروف المصمتة والحروف المذلقة، بهاذين اللقبين لقب ابن دريد الحروف كلها، قال: ومعنى المصمتة، على ما فسره الأخفش ، أنها حروف أصمتت أي منعت أن تختص ببناء كلمة في لغة العرب إذا كثرت حروفها، لاعتياصها على اللسان، فهي حروف لا تنفرد بنفسها في كلمة أكثر من ثلاثة أحرف حتى يكون معها غيرها من الحروف المذلقة، فمعنى المصمتة الممنوعة من أن تكون منفردة في كلمة طويلة، من قولهم: صمت إذا منع نفسه الكلام.
ومعنى الحروف المذلقة، على ما فسره الأخفش ، أنها حروف عملها وخروجها من طرف اللسان وما يليه من الشفتين، وطرف كل شيء ذلقه، فسميت بذلك إذ هي من طرف اللسان، وهو ذلقه، وهي أخف الحروف على اللسان وأكثر امتزاجاً بغيرها، وهي ستة أحرف: ثلاثة تخرج من الشفتين، ولا عمل لها في اللسان، وهي الفاء والباء والميم. وثلاثة تخرج من أسلة اللسان إلى مقدم الغار الأعلى، وهن الراء والنون واللام، يجمع الستة هجاء قولك (فر من لب). فهذه الستة هي المذلقة، والمصمتة ما عداها من الحروف، وهن إثنان وعشرون حرفاً. واللف خارجة عن المصمتة والمذلقة، لأنها هواء لا مستقر لها في المخرج.
الحادي والثلاثون: الحروف الصتم: وهي الحروف التي ليست من الحلق، وما عدا حروف الحلق. سميت صمتا لتمكنها في خروجها من الفم واستحكامها فيه، يقال للمحكم المصتم، حكاه الخليل وغيره. وقال الخليل في كتاب العين: الحروف الصتم التي ليست من الحلق.
الثاني والثلاثون: الحرف المهتوف، وهو الهمزة. سميت بذلك لخرزجها من الصدر كالتهوع، فتحتاج إلى ظهور قوي شديد، والهتف الصوت، يقال هتف به إذا صوت، وهو في المعنى بمنزلة تسميتهم للهمزة بالجرسي لأن الجرس الصوت الشديد، والهتف الصوت الشديد.
الثالث والثلاثون: الحرف الراجع، وهو الميم الساكنة. سميت بذلك لأنها ترجع في مخرجها إلى الخياشيم لما فيها من الغنة. وينبغي أن يشاركها في هذا اللقب النون الساكنة، لأنها ترجع أيضاً إلى الخياشيم للغنة التي فيها.
الرابع والثلاثون: الحرف المتصل، وهو الواو. وذلك لأنها تهوي في مخرجها في الفم لما فيها من اللين حتى بمخرج الألف. قلت: والياء كذلك، فينبغي أن تلقب كالواو _________________ |